من واقع الحياة

-->
من واقع الحياة
طبيبة فى دار للمسنين
لاتسألنى عن عمرى الآن
فكل يوم يمر علىَّ فى هذه الدار يضيف إلى عمرى أعواماً كثيرة من هول ما أرى من مشاهد حزينة مريرة
عدت للتو من الكشف على تلك السيدة التى أودعها منذ عام أولادها الثلاث (الرجال) .. واكتفوا بدفع الرسوم والمصاريف وانطلقوا نحو أعمالهم وزوجاتهم وأولادهم ... ولم يزوروها مرة واحدة خلال تلك الفترة الماضية
هى الآن تمر بظروف صحية متدهورة ولا تستجيب لمحاولات العلاج ..
أبلغت الإدارة
حاولوا الاتصال بأبنائها
وعدوا بالحضور ريثما يتاح أمامهم الوقت .. فأحدهم مسافر للخارج لعقد صفقة تجارية .. والآخر يقضى أجازته السنوية بأحد الشواطىء السياحية العالمية .. والثالث مشغول بإجراءات بناء برج على ضفاف النيل
لقد فقدت بصرها من كثرة البكاء .. وانفطر قلبها من الحزن .. وزهدت الطعام والشراب .. وانكفأت قعيدة الفراش .. صامتة صمت الذليل المهان ..
عاودت زيارتها
كذبت عليها حين سألتنى عن أبنائها .. فأبلغتها :
ـ إنهم قادمون .. لقد تأثروا كثيراً .. فهم يأتون ولكن يجدونك فى كل مرة نائمة .. فلم نشأ أن نقلق راحتك ونوقظك
بوجه غير مصدق تهز رأسها بأسى وتقول:
ـ لقد شكوتهم للمرحوم أبيهم عندما جاءنى فى المنام .. فكاد يدعو عليهم .. فاسترحمته ألا يكرر الدعاء .. فقد تكون أبواب السماء مفتوحة ويصيبهم أذى .. إنهم فلذات أكبادنا الذين ضحينا بعمرنا لأجلهم .. مهما فعلوا لن يهونوا علينا
أصابتنى الدهشة حين وجدت ثلاثتهم يحضرون مؤكدين أن المرحوم والدهم نهرهم عن هذا الجحود وأمرهم بزيارة امهم الآن .... فجاءوا ولكن بعد فوات الأوان ليحملوا جثمانها .